هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لازالت طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم
 
منتدى حملة الحقالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
أحييكم بتحية اهل الجنة فسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته ...اعضاء منتدى حملة الحق... اعلن عن تصميم منتدى جديد يحمل نفس العنوان بنفس الاقسام وسننتقل اليه في الايام القليلة القادمة نسال الله الاخلاص والقبول ترقبوا الرابط الجديد للمنتدى الجديد **** لكم مني كل الاحترام والتقدير ...المديرة العامة أم اسلام.

 

 رحلة مع القائد نور الدين زنكي..

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أم اسلام
Admin
أم اسلام


عدد المساهمات : 669
تاريخ التسجيل : 21/01/2009

رحلة مع القائد نور الدين زنكي.. Empty
مُساهمةموضوع: رحلة مع القائد نور الدين زنكي..   رحلة مع القائد نور الدين زنكي.. I_icon_minitimeالجمعة أبريل 24, 2009 10:46 am

بسم الله الرحمن الرحيم

رحلة مع القائد نور الدين زنكي..

رحلة مع القائد نور الدين زنكي.. 40158015



هو نور الدين محمود زنكي، صاحب الشام، الملك العادل، ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام، أبو القاسم محمود بن الأتابك قسيم الدولة أبو سعيد -عماد الدين- زنكي بن الأمير الكبير آقسنقر التركي السلطاني الملكشاهي، مولده في شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وهم ينتسبون إلى قبيلة ساب يو التركية، ولا تذكر المصادر التاريخية شيئًا عن نشأة نور الدين وشبابه، ولكنها جميعًا تؤكد أنه تربى في طفولته تحت رعاية وإشراف والده، وأن والده كان يقدمه على إخوانه، ويرى فيه مخايل النجابة.

ولما جاوز الصبا لزم والده حتى مقتله 541هـ/1047م وكانت حياة عماد الدين في فترة حكمه الموصل من 521هـ -541هـ مدرسة عليا شاملة لجميع أنواع المعارف الإنسانية في مجالات العلوم السياسية والإدارية والعسكرية، بالإضافة إلى العلوم الشرعية الدينية، وقد جمعت مدرسة الحياة الكبرى التي عاش فيها نور الدين بين الأسلوب النظري والتطبيقي، وقد تزوج نور الدين عام 541هـ الزواج الذي لم تكن من ورائه جارية ولا سُرّية من عصمت الدين خاتون ابنة الأتابك معين الدين حاكم دمشق، بعد أن ترددت المراسلات بين الرجلين، واستقرت الحال بينهما على أجمل صفة، وتأكدت الأمور على ما اقترح كل منهما، وكتب كتاب العقد في دمشق، بمحضر من رسل نور الدين في الثالث والعشرين من شوال.

وما إن تم إعداد الجهاز حتى قفل الوفد عائدًا بصحبة ابنة معين الدين، وخلف نور الدين من زوجته هذه ابنة واحدة، وولدين هما الصالح إسماعيل الذي تولى الحكم من بعده، وتوفي شابًا لم يبلغ العشرين من العمر، من جراء مرض ألمَّ به عام 577هـ وأحمد الذي ولد بحمص عام 547هـ ثم توفي في دمشق طفلاً، وسرعان ما امتدت تقوى الرجل إلى زوجته وابنه الأكبر، فكانت زوجته تكثر القيام في الليل، ونامت ليلة عن وردها فأصبحت وهي غضبى، فسألها نور الدين عن أمرها، فذكرت نومها الذي فوّت عليها وردها، فأمر نور الدين عند ذلك بضرب الطبول في القلعة وقت السحر لتوقظ النائمين حينذاك للقيام، ومنح الضاربين أجرًا جزيلاً. وصفها المؤرخون بأنها كانت من أحسن النساء وأعفهن وأكثرهن خدمة متمسكة من الدين بالعروة الوثقى، وكانت لها أوقاف وصدقات كثيرة وبر عظيم.

وقد ذكر ابن كثير في أحداث عام 563هـ: وفي شوال وصلت امرأة الملك نور الدين محمود زنكي إلى بغداد تريد أن تحجَّ من هناك، وهي السِّتُّ عصمت الدين خاتون بنت معين الدين أنُر، فتلقاها الجيش ومعهم صندل الخادم، وحُملت لها الإقامات وأُكرمت غاية الإكرام. وعرف عن الصالح إسماعيل تقواه العميقة والتزامه الأخلاقي المسئول حتى رفض الأخذ برأي الأطباء في شرب شيء من الخمر عندما ألحّت عليه علة القولنج التي أودت بحياته. وقال: لا. حتى أسأل الفقهاء، فلما أفتوه بالجواز لم يقبل وسأل كبيرهم: إن الله تعالى قرّب أجلي، أيؤخره شرب الخمر؟ قال: لا فأجابه: فوالله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرّم علي.

انقسام الدولة الزنكية بعد مقتل عماد الدين زنكي

عندما قُتل عماد الدين زنكي سنة 541هـ كان ابنه الأكبر سيف الدين غازي مقيمًا بشهرزور وهي إقطاعه من قبيل أبيه، بينما كان نور الدين محمود وهو الابن الثاني لعماد الدين مع أبيه عند قلعة جعبر، وبعد أن شهد مصرع أبيه أخذ خاتمه من يده وسار ببعض العساكر إلى حلب، فملكها هي وتوابعها في ربيع الآخر سنة 541هـ/1146م، وكان عمره ثلاثين سنة كما كان مع زنكي أيضًا على قلعة جعبر الملك ألب أرسلان ابن السلطان محمود السلجوقي.

وكان زنكي يظهر أنه يحكم البلاد باسمه منذ سنة 521هـ/1127م إذ اصطحبه معه إلى الموصل بأمر من السلطان محمود، وقد ذكر المؤرخون أن الملك ألب أرسلان حاول أن يحل محل زنكي في ملك البلاد وأن يبعد أولاده عنها، فجمع العساكر وأعد العدة للتوجه إلى الموصل بقصد الاستيلاء عليها، ولكن الوزير جمال الدين الأصفهاني، قام بدور كبير في الحفاظ على الدولة الزنكية وإبقائها في أيدي أولاد صاحبه وولي نعمته عماد الدين زنكي، فما إن شعر بقصد الملك ألب أرسلان حتى بادر بالاتصال بالأمير صلاح الدين محمد الياغسياني، حاجب عماد الدين، متناسيا ما كان بينهما من خلاف، فاتفقا على حفظ الدولة لأولاد زنكي وإبعاد الملك ألب أرسلان السلجوقي عنها؛ فقد أرسل الوزير جمال الدين إلى صلاح الدين الياغسياني يقول له: إن المصلحة أن نترك ما كان بيننا وراء ظهورنا، ونسلك طريقا يبقى فيه الملك في أولاد صاحبنا، ونهر بيته جزاء لإحسانه إلينا، فإن الملك (ألب أرسلان) قد طمع في البلاد واجتمعت عليه العساكر، ولئن لم نتلاف هذا الأمر في أوله، ونتداركه في بدايته ليتّسعنّ الخرْق ولا يمكن رقعه، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك، وحلف كل واحد منهما لصاحبه، وكان أول عمل قام به جمال الدين، وصلاح الدين أن أرسلا رسولاً على وجه السرعة إلى زين الدين علي كُجَك نائب زنكي في الموصل يخبرانه بما حصل لزنكي، فسارع سيف الدين غازي للحضور من شهرزور إلى الموصل لتسلم الحكم فيها وتسلمها قبل أن يتمكن ألب أرسلان السلجوقي من الوصول إليها.

أما الملك ألب أرسلان السلجوقي فقد تكفل الوزير جمال الدين الأصفهاني بإلهائه ومخادعته ريثما تستتب الأمور لسيف الدين غازي في الموصل، وظلّ يتنقل من مكان إلى آخر بالجزيرة حتى تفرق معظم أصحابه عنه، ثم اتجه إلى الموصل فُقبض عليه وأودع السجن ولم يأت له ذكر بعد هذا التاريخ. وهكذا انقسمت الدولة الزنكية بعد مقتل مؤسسها عماد الدين بين ولديه سيف الدين غازي الذي حكم الموصل والجزيرة ونور الدين محمود الذي حكم مدينة حلب وما جاورها من مدن الشام، أما أخوهما نصرة الدين أمير أميران، فقد حكم حرّان تابعًا لأخيه نور الدين محمود، في حين كان الأخ الرابع قطب الدين مودود لا يزال في رعاية أخيه سيف الدين غازي بالموصل. وكان نهر الخابور هو الحد الفاصل بين أملاك الأخوين وأدَّى الوضع الجغرافي الشرقي إلى أن:

- يرث غازي الأول المشاكل الداخلية، مع كل من الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية في العراق.

أ- يحمي حدود الإمارة من غارات سلاجقة فارس.

ب- يحمي ثغور الإمارة الشمالية من تعديات سلاجقة الروم والداشمنديين والبيزنطيين في آسيا الصغرى.

أما في القسم الغربي، فقد ورث نور الدين محمود المشكلتين الكبيرتين المتمثلتين بأتابكية دمشق والإمارات الصليبية المنتشرة في مختلف بلاد الشام.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oumou4islam.yoo7.com
أم اسلام
Admin
أم اسلام


عدد المساهمات : 669
تاريخ التسجيل : 21/01/2009

رحلة مع القائد نور الدين زنكي.. Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلة مع القائد نور الدين زنكي..   رحلة مع القائد نور الدين زنكي.. I_icon_minitimeالجمعة أبريل 24, 2009 10:48 am

ترتيب أوضاع البيت الزنكي

كان من الطبيعي أن تنشأ بين البيتين الزنكيين في كل من الموصل وحلب علاقات وثيقة، بفعل الروابط الأسرية من جهة، واشتراك آل زنكي بعامة بهدف واحد، وهو الجهاد ضد الصليبيين في بلاد الشام، وكانت حلب تشكل بالنسبة للموصل خط الدفاع الأول وصمام الأمان ضد أي خطر تتعرض له، فنشأت نتيجة لذلك علاقات جيدة بين سيف الدين غازي الأول، صاحب الموصل، وأخيه نور الدين محمود، صاحب حلب، ثم بين الأمراء الذين توالوا على حكم الموصل بعد غازي الأول، إلا أن هذه العلاقات الودية القائمة على التعاون والدفاع المشترك، شهدت في بعض الأوقات فتورا عاما، كان لا يلبث أن يتلاشى لتعود المحبة والألفة.

فبعد استقراره في الموصل والجزيرة وبعض مناطق بلاد الشام كحمص والرحبة والرقة، كان على سيف الدين غازي الأول أن ينسّق مع أخيه نور الدين محمود في حلب، ويتعاون معه لاستكمال سياسة والدهما القاضية بالتصدي للصليبيين، مُدركا في الوقت نفسه أهمية هذا التعاون، خشية أن يستغل أعداء الأسرة فرصة انقسام الإمارة الزنكية لمهاجمتها، بالإضافة إلى الظهور، بمظهر القوة أمامهم؛ لذلك رأى ضرورة الاجتماع بأخيه بين وقت وآخر لتسوية ما قد ينشأ بينهما من أزمات داخلية بسبب توزيع الإرث الزنكي، ويبدو أن العلاقات بين الأخوين تعرضت لأزمة عابرة عقب وفاة والدهما، بدليل أن سيف الدين غازي الأول أرسل إلى أخيه نور الدين محمود يدعوه للحضور إليه، إلا أن صاحب حلب تأخر في تلبية الدعوة معللا تصرفه بانهماكه في محاربة الصليبيين، وقد كانت هناك مجموعة من الأسباب ساهمت في الفتور في العلاقة بين الأخوين، وهي:

أ- رأى سيف الدين غازي الأول أنه كان يجب على أخيه الوقوف إلى جانبه عندما تعرض الحكم الزنكي في الموصل لخضة سياسية أثارها الملك ألب أرسلان السلجوقي بهدف الاستيلاء على السلطة، وذلك حتى تستقر الأوضاع لهما في البلاد، ثم يستأذنه في العودة إلى بلاد الشام.

ب- عد سيف الدين غازي الأول تصرف أخيه نور الدين محمود بعد مقتل والدهما أمام قلعة جَعْبَر خروجا على التقاليد الأسرية عند القبائل التركية التي تقضي بأن تكون السيادة للابن الأكبر.

ج- رأى سيف الدين غازي الأول في تصرف أخيه انفصالاً واضحا عن الدولة الزنكية؛ لأن استئثار نور الدين محمود بأملاك الأسرة في حلب يعني تكوين حكم انفصالي عن دولة الأتابكة في الموصل. دفعت هذه العوامل سيف الدين غازي الأول إلى الإلحاح على أخيه نور الدين محمود للاجتماع به وتسوية الأمور بينهما، وقد تصرف صاحب الموصل بحكمة لإزالة أسباب التوتر، كما أنه لم يعارضه عندما استولى على الرها التي كانت تدخل في منطقة نفوذه بعد محاولة جوسلين الثاني استردادها من أيدي المسلمين في أواخر عام 541هـ/ ربيع الثاني 1147م، والواقع أنه أرسل قوة عسكرية لمساندة أخيه لإنقاذ الرها المهددة، لكنها وصلت بعد أن نجح نور الدين محمود في استعادتها، وأخيرا حصل اللقاء بين الأخوين في الخابور.

وفي هذا الاجتماع، اعتذر نور الدين محمود لأخيه عن تأخره في الحضور، وأظهر له الطاعة والاحترام من جهته، ولشدة حذر نور الدين اشترط أن يكون الاجتماع ومع كل منهما خمسمائة فارس فقبل سيف الدين، وخرج نور الدين ومعه خمسمائة فارس، فرأى أخاه سيف الدين وليس معه إلا خمسة فرسان، فتأكد من حسن نيته واقتربا وتعانقا وبكيا وقال له سيف الدين: من لي غيرك يا نور الدين؟ ولمن أدّخر الخير إن أسأت إلى أخي؟.

أهم صفات القائد نور الدين زنكي

إن مفتاح شخصية نور الدين محمود زنكي شعوره بالمسئولية وحرصه على تحرير البلاد من الصليبيين، وخوفه من محاسبة الله له، وشدة إيمانه بالله وباليوم الآخر، وكان هذا الإيمان سببًا في التوازن المدهش والخلاّب في شخصيته، فقد كان على فهم صحيح لحقيقة الإسلام، وتعبد الله بتعاليمه، وتميزت شخصيته بمجموعة من الصفات الرفيعة والأخلاق الحميدة التي ساعدته على تحقيق إنجازاته العظيمة؛ فالشريعة الإسلامية هذبت ونمت وزكت أخلاق وصفات نور الدين والتي من أهمها:

أولا- الجدية والذكاء المتوقد:

منذ البداية والتكوين الجاد لنور الدين يدفعه إلى الإسراع لسد أي فتق أو اعتداء من قبل الأعداء؛ فلما قتل زنكي 541هـ -يقول ابن الأثير- كان جوسلين الفرنجي، في ولايته غربي الفرات: تل باشر وما جاورها فراسل أهل الرها وكان عامتهم من الأرمن، وواعدهم يوما يصل إليهم فيه فأجابوه إلى ذلك فسار في عساكره إليها وملكها، وامتنعت عليه القلعة بمن فيها من المسلمين، وقاتلهم وجد في قتالهم، فبلغ الخبر إلى نور الدين فسار مجدا إليها في العسكر الذي عنده، فلما سمع جوسلين بوصوله خرج عن الرها إلى بلده ودخل نور الدين المدينة ونهبها وسبى أهلها فلم يبق منهم إلا القليل وأجلى من كان بها من الفرنج.

وكان أبوه زنكي قد استرد هذا الموقع الخطير من الصليبيين عام 539هـ وأمر جنده يومها بالكف فورا عن النهب والسلب والتخريب ومنح النصارى المحليين حريات واسعة وحمى كنائسهم وممتلكاتهم، في محاولة منه لفك ارتباطهم بالغزاة الصليبيين الذين مارسوا معهم الكثير من أساليب التمييز والتفرقة الدينية، أما وقد تآمروا -ثانية- في أخريات عهد زنكي، وثالثة بعد مقتله لإعادة الرها إلى السيطرة الصليبية منها يجيء الرد بمستوى الجد الذي يقتضيه الموقف إذا ما أُريد لهذا الموقع أن يبقى مجردا، وألا يعود ثانية إلى قبضة الغزاة.

وفي عام 567هـ هاجم صليبيو اللاذقية مركبين للمسلمين كانا مملوءين بالأمتعة مكتظين بالتجار، وغدروا بالمسلمين، وكان نور الدين قد هادنهم فنكثوا، فلما سمع الخبر استعظمه وأرسل إلى الصليبيين يطلب إعادة ما أخذوه، فغالطوه فلم يقبل مغالطتهم، وكان لا يهمل أمرًا من أمور رعيته كما يقول ابن الأثير؛ إذ ما لبث أن جمع عساكره وبث سراياه في بلاد الصليبيين بين أنطاكية وطرابلس، وقام بحصار حصن عرقة وتخريب ربضه، والاستيلاء على حصني صافيتا والعزيمة شمالي، وإجراء أعمال نهب وتخريب واسعة النطاق؛ الأمر الذي اضطر الصليبيين إلى مراسلة نور الدين يعرضون عليه استعدادهم لإعادة ما أخذوه من المركبين وتجديد الهدنة بين الطرفين، فأجابهم نور الدين إلى ذلك لحاجته الماسة -كما يبدو- إلى هدنة كهذه.

ويوما بلغه ما فعله جوسلين من إرسال السلاح -الذي كان قد استولى عليه في إحدى معاركه مع نور الدين- إلى حميه السلطان مسعود حاكم سلاجقة الروم؛ فقام نور الدين وقعد، وهجر الراحة للأخذ بثأره، فأذكى العيون على جوسلين، وأحضر جماعة من التركمان، وبذل لهم الرغائب إن هم ظفروا بجوسلين إما قتلاً أو أسرًا؛ لأنه علم إن هو جمع العساكر الإسلامية لقصده جمع جوسلين الفرنج وحذر وامتنع فأخلد إلى إعمال الحيلة.

وكان نور الدين -كما يقول ابن الأثير- إذا فتح حصنًا لا يرحل عنه حتى يملأه رجالاً وذخائر تكفيه عشر سنين خوفا من نصرة تتجدد للفرنج على المسلمين؛ فتكون حصونهم مستعدة غير محتاجة لشيء.

وهكذا ترتبط جدية نور الدين بذكائه الحذر، ودهائه الذي حقق له الكثير من المكاسب والمنجزات، والذي لم يُتح لأحد من الأعداء في الداخل والخارج أن ينفذ لتوجيه ضربة أو إصابة مقتل، كان كما يقول ابن الأثير: يكثر أعمال الحيل والمكر والخداع مع الفرنج وأكثر ما ملكه من بلادهم به. ويضرب على ذلك مثلاً سياسته مع مليح بن ليون ملك الأرمن في بلاد الأناضول: فإنه ما زال يخدعه ويستميله حتى جعله في خدمته سفرا وحضرا، وكان يقاتل به الفرنج وكان يقول: إنما حملني على استمالته أن بلاده حصينة وعرة المسالك، وقلاعه منيعة وليس لنا إليها طريق، وهو يخرج منها -إذا أراد- فينال من بلاد الإسلام، فإذا طُلب انحجر فيها فلا يقدر عليه، فلما رأيت الحال هكذا بذلت له شيئا من الإقطاع على سبيل التآلف حتى أجاب إلى طاعتنا وخدمتنا وساعدنا على الفرنج.

وحين توفي نور الدين وسلك من بعده غير هذا الطريق، ملَك زعيمُ الأرمن بعد مليح كثيرًا من بلاد المسلمين وحصونهم، وصار منه ضرر عظيم وخرق واسع لا يمكن رقعه.

وفي محاول نور الدين فتح دمشق أدرك أن اعتماد العنف سيستفز حكامها ويدفعهم إلى مراسلة الصليبيين والاستعانة بهم، فعمد إلى أعمال الحيلة والسياسة، فأخذ يراسل صاحبها مجير الدين ويستميله، ويبعث إليه بالهدايا الموصولة ويظهر له المودة حتى وثق إليه وأخذ نور الدين يكاتبه مشككا إياه بنوايا عدد من أمرائه، وأنهم بصدد الاتصال به ضد ملكهم؛ الأمر الذي دفع مجير الدين إلى إبعاد واعتقال عدد من أبرز أصحابه، فلما خلت دمشق من زهرة أمرائها انتقل نور الدين خطوة أخرى فاتصل بأحداث دمشق (أي حرسها الشعبي) وجماهيرها واستمالهم فأجابوه إلى تسليم البلد، وعند ذاك تقدم لحصار دمشق وتمكن بمعونة أهلها أنفسهم من دخولها بسهولة بالغة ودونما إراقة للدماء، فحقق بذلك الهدف الكبير الذي طالما سعى له أبوه.

وقبل ذلك، وحينما بعث إليه الفاطميون -كما سيأتي بيانه بإذن الله- يطلبون منه القيام بهجوم على المواقع الصليبية جنوبي الشام لإشغالهم عن مهاجمة مصر، أجاب نور الدين أسامة بن منقذ سفيرهم في هذه المهمة: إن أهل دمشق، أعداء والإفرنج أعداء ما آمن منهما إذا دخلت بينهما، ويحدثنا أبو شامة عن إحدى خدع نور الدين حيث أغار على طبرية وجمع بعض أعلام الصليبيين وشيئا من ملابسهم وسلاحهم وسلمها إلى أحد جنده قائلاً: أريد أن تعمل الحيلة في الدخول إلى بلبيس، وتخبر أسد الدين شيركوه المحاصر هناك بما فتح الله على المسلمين في بلاد الشام، وتعطيه هذه الأعلام وتأمره بنشرها في أسواق بلبيس فإن ذلك مما يفت في عضد الكفار، ويدخل الوهن عليهم؛ ففعل أسد الدين ما أمره به، فلما رأى الصليبيون ذلك قلقوا وخافوا على بلادهم وسألوا حليفهم شاور-الوزير المصري- الإذن بالانفصال.

كما يحدثنا ابن الأثير عن الأسلوب الذي اعتمده نور الدين في فتح حصني المنبطرة بالشام 561هـ، فهو لم يحشد له ولا جمع عساكره، وإنما سار إليه في سرية من الفرسان على حين غرة من الصليبيين؛ إذ أدرك أنه بجمعه العسكر سيعطي الإشارة إلى خصومه لكي يأخذوا أهبتهم. وما لبثت حامية الحصن أن فوجئت بهجوم نور الدين المباغت وبعد قتال عنيف سقط الحصن: ولم يجتمع لدفعه إلا وقد ملكه، ولو علموا أنه في قلعة من العساكر لأسرعوا إليه، إنما ظنوه أنه في جمع كثير، فلما ملكه تفرقوا وأيسوا من رده، فهذه الأحداث تظهر صفة الجدية والذكاء المتوقد في شخصية نور الدين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oumou4islam.yoo7.com
أم اسلام
Admin
أم اسلام


عدد المساهمات : 669
تاريخ التسجيل : 21/01/2009

رحلة مع القائد نور الدين زنكي.. Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلة مع القائد نور الدين زنكي..   رحلة مع القائد نور الدين زنكي.. I_icon_minitimeالجمعة أبريل 24, 2009 10:55 am

ثانيا- الشعور بالمسئولية:

تولد عن ورع نور الدين وتقواه إحساس شديد بالمسئولية، ظهر في جميع أعماله وحالاته؛ فالخشية من الله تعالى تجعله دائما في موقع المحاسب لنفسه المراقب لها، حتى لا تتجاوز إلى ما يغضب الله؛ فهو يعتبر نفسه مسئولا أمام الله عن كل ما يتعلق برعيته، وكل ما يتعلق ببلاد المسلمين ودمائهم وحقوقهم، حتى لو كانوا من غير رعيته، فإذا كان باستطاعته مساعدتهم فهو مسئول إذا قصر في تقديم هذه المساعدة، يظهر هذا الفهم الشامل للمسئولية في رسالة نور الدين محمود إلى إيلدكز أمير أذربيجان وأرمينية وهمذان والري، جوابًا على رسالته التي يطلب فيها من نور الدين عدم احتلال الموصل ويتهدده بألا سبيل له إليها، قال نور الدين للرسول: قلْ لصاحبك: أنا أرحم ببني أخي (يعني سيف الدين غازي) منك، فلم تدخل نفسك بيننا؟ وعند الفراغ من إصلاحهم يكون الحديث معك عند باب همذان فإنك قد ملكت نصف بلاد الإسلام وأهملت الثغور حتى غلب الكرج عليها، وقد بليت أنا وحدي بأشجع الناس: الفرنج، فأخذت بلادهم وأسرت ملوكهم، فلا يجوز لي أن أتركك على ما أنت عليه، فإنه يجب علينا القيام بحفظ ما أهملت من بلاد الإسلام، وإزالة الظلم عن المسلمين.

كان نور الدين يشعر بالمسئولية الملقاة على عاتقه تجاه الوقت أن يضيع هباء والدم المسلم من أن يُهدر، والكرامة الإسلامية من أن تُهان والأرض الإسلامية من أن تُغزى وتُقتطع. فحينما علم في عام 544هـ/1149م بتحالف الصليبيين قال: لا أنحرف عن جهادهم، إلا أنه مع ذلك كان يكفّ أيدي أصحابه عن العبث والإفساد في الضّياع ويحسن الرأي في الفلاحين ويعمل على التخفيف عنهم؛ الأمر الذي أكسبه عطف وتأييد جماهير دمشق وسائر البلاد التابعة لها، فراحت تدعو له بالنصر.

وكتب إلى زعماء دمشق: إنني ما قصدت بنزولي هذا المنزل طالبًا لمحاربتكم، وإنما دعاني إلى هذا الأمر كثرة شكاية المسلمين.. بأن الفلاحين أُخذت أموالهم وشُتّت نساؤهم وأطفالهم بيد الفرنج وانعدام الناصر لهم؛ فلا يسعني مع ما أعطاني الله وله الحمد من الاقتدار على نصرة المسلمين وجهاد المشركين وكثرة المال والرجال، ولا يحلّ لي القعود عنهم والانتصار لهم؛ مع معرفتي بعجزكم عن حفظ أعمالكم والذبّ عنها والتقصير الذي دعاكم إلى الاستصراخ بالفرنج على محاربتي وبذلكم لهم أموال الضعفاء والمساكين من الرعية ظلما لهم وتعديا عليهم، وهذا ما لا يرضي الله تعالى، ولا أحدا من المسلمين.

وفي العام التالي خرج إليه أهل دمشق وكثير من أجنادها، بعد أن قرر عدم مهاجمتها عنوة كراهية لسفك دماء المسلمين، والتقى بعدد من الطلاب والفقراء والضعفاء فلم يخيب أحدا من قاصديه. وقد أصر نور الدين طيلة الفترة التالية على عدم القيام بهجوم على البلد تحرّجا من قتل المسلمين وقال: لا حاجة إلى قتل المسلمين بأيدي بعضهم بعضا، وأنا أرفههم ليكون بذل نفوسهم في مجاهدة المشركين. فهو يعلم جيدا أن الأمة إذا قتلت نفسها سهلت على العدو، وإذا قدرت على حماية دمها بذلته رخيصا في مجاهدة هذا العدو.. معادلة واضحة يمكن أن تفسر لنا الكثير من هزائم الأمم وانتصاراتها على السواء.. ومن ثم كانت عادة نور الدين كما يقول أبو شامة: إنه لا يقصد ولاية أحد من المسلمين إلا ضرورة، إما ليستعين على قتال الفرنج، أو للخوف عليها منها كما فعل بدمشق ومصر وغيرهما. لقد كان الدم عنده عظيما، لما كان قد جبل عليه من الرأفة والرحمة والعدل.

ثالثا- قدرته على مواجهة المشاكل والأحداث:

اعتمد نور الدين محمود الحلول العقلية ذات الطابع العلمي في مواجهة المشاكل والأحداث، واضعا عينيه على التعامل مع سنة الأخذ بالأسباب؛ ففي عام 552هـ شهدت الجهات الوسطى والشمالية من بلاد الشام زلازل عنيفة تتابعت ضرباتها القاسية، فخربت الكثير من القرى والمدن، وأهلكت حشدا لا يُحصى من الناس، وتهدمت الأسوار والدور والقلاع، فما كان من نور الدين إلا أن شمّر عن ساعد الجد وبذل جهودا عظيمة في إعادة إعمار ما تهدم وتعزيز دفاعاته؛ فعادت البلاد كأحسن مما كانت، ولولا أن الله منّ على المسلمين بنور الدين، فجمع العساكر وحفظ البلاد، لكان دخلها الفرنج بغير قتال ولا حصار.

وفي عام 565هـ ضربت بلدان المنطقة بغارة أخرى من الزلازل لم تقل هولاً عن سابقتها، خربت الكثير من المدن وهدّمت أسوارها وقلاعها، وسقطت الدور على أهلها، وهلك منهم ما يخرج عن الحد والإحصاء؛ فلما بلغ الخبر نور الدين سار إلى بعلبك لإعادة إعمار ما تهدم من أسوارها وقلعتها، ولم يجأر إلى الله بالشكوى، ويعلن أن الظلم قد فشا، وأن هذا عقاب الله فقط، أو أنه إشارات الساعة قد لاحت في الأفق القريب، وعندما وصل بعلبك أتاه خبر دمار باقي البلاد وهلاك كثير من أهليها، فرتب في بعلبك من يحميها ويعمرها وانطلق إلى حمص ففعل مثل ذلك ومنها إلى حماه فبعرين، وكان شديد الحذر على سائر البلاد من الفرنج، لا سيما قلعة بعرين فإنها مع قربها منهم لم يبق من سورها شيء البتة، فجعل فيها طائفة صالحة من العسكر مع أمير كبير، ووكل بالعمارة من يحث عليها ليلا ونهارا. ثم أتى مدينة حلب، فلما شاهد ما صنعته الزلزلة بها، وبأهلها أقام فيها وباشر عمارتها بنفسه، وكان هو يقف على استعمال الفعلة والبنائين، ولم يزل كذلك حتى أحكم أسوار جميع البلاد وجوامعها، وأخرج من المال ما لا يقدر قدره.

إن الكوارث -التي يبتلي الله بها عباده- تجيء بمثابة تحديات دائمة تستفز الجماعات البشرية وقياداتها إلى المزيد من الوعي والإنجاز، وإن الاستجابة لهذه التحديات هي التي تقود الأمم والتجارب السياسية والحضارات خطوات إلى الأمام، والعجز عنها هو الذي يربك مسيرتها ويصيبها بالعجز والشلل والجمود، أما نور الدين فقد اختار الموقف الأول، وأعاد إعمار ما هدمته الكوارث بسرعة مدهشة وواصل الطريق.

ثمة واقعة أخرى ذات دلالة واضحة في هذا المجال: كانت في الموصل خربة واسعة في وسط البلد أُشيع عنها أنه ما شرع في عمارتها إلا من ذهب عمره ولم يتم على مراد أمره. فأشار الشيخ عمر الملاء أحد صالحي المدينة وشيوخها الورعين بابتياعها وبناء جامع كبير فيها تُقام فيه الصلوات، وتخطب الجمع وتدرس العلوم، ففعل نور الدين وأنفق فيه أموالاً كثيرة. وعلّق الدكتور عماد الدين صاحب كتاب "نور الدين محمود.. الرجل والتجربة" على هذه الحادثة فقال: لم يضرب نور الدين الخرافة والشائعة بالكلمة ولكنه ضربها بالفعل، وبالإنجاز وزالت الخرافة. ولكن المسجد الكبير الذي بناه على أنقاضها ظل حتى اليوم يستقبل مئات المتعبدين والدارسين.

رابعا- نزعته للبناء والأعمار:

إن الحاكم الناجح في نظره هو ذلك الذي يعرف كيف يحقق أكبر قدر من العمران والتحضر بأقل قدر من الزمن؛ فقد بنى نور الدين المساجد والربط والزوايا للتعبد وتربية الروح، كما أنشأ المدارس ودور الحديث للتعلم وتربية العقل، وشجّع أعمال الفروسية وسائر النشاطات الرياضية لكسب المزيد من المهارات القتالية، وتنمية الجسد، وبنى أيضا دورا للأيتام لإيواء أطفال المسلمين، والمارستان لمعالجة المرضى، وأقام الجسور والقناطر والحدائق والقنوات والأسواق والحمامات والمخافر وشقَّ الطرقات العامة، فحفلت دولته بالكثير من المؤسسات الاجتماعية والعمرانية، ولم يغفل نور الدين -وهو بصدد البناء والإعمار- عن الجانب الجمالي الذي يرتبط ارتباطا أساسيا بالإبداع.

ورجل كنور الدين خرّجته مدرسة الإسلام الرحيبة الشاملة لا يمكن إلا أن يرى في العمل والتزيين في المضمون والشكل في الوقائع والجماليات وجهين لعملة واحدة، فقد أوقف بستان الميدان والغيضة التي تليه في دمشق لتطييب جوامع دمشق ومدارسها لكي يظل هواؤها معبقا بالروائح الطيبة والشذى العبق، وكان على اهتمام كبير بهذه المسألة بحيث إنه حدّد مصارف وقفه المذكور: نصفه على تطبيق جامع دمشق، والنصف الآخر يقسم عشرة أجزاء، جزآن على تطييب المدرسة التي أنشأها للحنفية والثمانية أجزاء الأخرى على تطييب المساجد التسعة في دمشق وأطرافها. وجلب للمدرسة الحلاوية التي بناها في حلب، من مدينة أفاحية، مذبحا من الرخام الملكي الشفاف الذي إذا وضع تحته ضوء شفّ من وراء الرخام، ولما دخل قلعة دمشق عام 549هـ أنشأ بها دارا عامة في غاية الحسن سماها دار المسرّة.

وفي قلعة حلب أنشأ نور الدين أبنية كثيرة وأقام ميدانا خضّره بالحشيش وسُمِّي الميدان الأخضر، ويرتبط بهذه المسألة الجمالية ما كان نور الدين يأمر به في المناسبات عام 552هـ إذ أمر بزينة قلعته ودار مملكته بحيث حلَّى أسوارها بالآلات الحربية من الجواشن والدروع والتراس والسيوف والرماح والطوارق والإفرنجية والأعلام والطبول والبوقات وأنواع الملاهي المختلفات، وهرعت الأجناد والرعايا وغرباء البلاد لمشاهدة الحال؛ فشاهدوا ما استحسن منه مدة سبعة أيام.

لقد كان إكسسوار الحفل وديكوراته -إذا صح التعبير- مناسبة تماما لمدينة كدمشق تتزعم حركة الجهاد، وتقف في قلب التحدي. وتبدو نزعة نور الدين للإعمار والتحضر، أكثر ما تبدو، في سياسته الرامية لتوطين العناصر البدوية وجعلها تمارس حياة الاستقرار؛ فقد أقطع الأمراء العرب في جنوب الشام والحجاز القطائع لئلا يتعرضوا لقوافل الحجاج، ونقل أعراب بني عباد من البلقاء والأردن إلى صرخد الملاصقة لبلاد حوران من أعمال دمشق.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة انصبت على تجميد نشاط هؤلاء في مساعدة صليبيي المنطقة وإرشادهم على الطرق، وتحويل هؤلاء الأعراب إلى قوة تعمل لصالح المسلمين أنفسهم -كما أشارت الرواية المذكورة- إلا أنها حققت من ناحية أخرى هدفا عمرانيا واضحا، وليس ثمة رواية تحمل دلالتها على نزعة نور الدين للبناء والإعمار تعدل رواية ابن جبير، الرحالة الذي زار دمشق ووصف معالمها بعد سنوات فحسب من وفاة نور الدين، ولا شك أن وصفه هذا ينسحب على العصر الذي نتحدث عنه؛ لأن تغييرات جغرافيا المدن لا تُقاس بالسنين المحدودة بل بعقودها على أقل تقدير.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oumou4islam.yoo7.com
أم اسلام
Admin
أم اسلام


عدد المساهمات : 669
تاريخ التسجيل : 21/01/2009

رحلة مع القائد نور الدين زنكي.. Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلة مع القائد نور الدين زنكي..   رحلة مع القائد نور الدين زنكي.. I_icon_minitimeالجمعة أبريل 24, 2009 11:00 am

يقول الرجل -مشيرا إلى الاتساع العمودي لدمشق-: وبناء البلد ثلاث طبقات، فيحتوي من الخلق على ما تحتوي ثلاث مدن؛ لأنه أكثر بلاد الدنيا خلقا وحسنه كله خارج المدينة لا داخلها، وبدمشق (ما يقرب من) مائة حمَّام فيها وفي أرباضها، وفيها نحو أربعين دارا للوضوء يجري الماء فيها كلها، وليس في هذه البلاد كلها بلدة أحسن منها للغريب؛ لأن المرافق بها كثيرة.. وأسواق هذه البلدة من أحفل أسواق البلاد وأحسنها انتظاما وأبدعها صنعا، وقد سرت عدوى الرغبة في البناء والإعمار إلى رجال نور الدين وكبار موظفيه -كما سنرى في المقالات القادمة- فراحوا يتسابقون في بناء المدارس والمساجد ومؤسسات الخدمات الاجتماعية، وما أكثر الروايات التي قيلت في هذا الصدد، ويكفي أن نطلع على تراجم رجال نور الدين محمود، بل النساء اللواتي اشتهرن في عصره كذلك.

خامسا- قوة الشخصية:

كان نور الدين محمود قوي الشخصية، قديرا على الوقوف في نقطة التوازن بين الصرامة والمرونة، والشدة واللين، والعنف والرحمة، وقد وصفه ابن الأثير بأنه كان: مهيبا مخوفا مع لينه ورحمته، وأنه كانت إليه النهاية في الوقار والهيبة، شديدا في غير عنف، رقيقا في غير ضعف، ويصف مجلسه فيقول: وكان مجلسه كما روي في صفة مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجلس حلم وحياء، لا تُؤبّن فيه الحُرَم، ولا يُذكر فيه إلا العلم والدين وأحوال الصالحين والمشورة في أمر الجهاد، وقصْد بلاد العدو، ولا يتعّدى هذا.

وقال الحافظ ابن عساكر الدمشقي: كنا نحضر مجلس نور الدين فكنا كما قيل: كأن على رؤوسنا الطير تعلونا الهيبة والوقار، وإذا تكلم أنصتنا، وإذا تكلمنا استمع لنا. وقال ابن كثير: لم يسمع منه كلمة فحش قط في غضب ولا رضا، صَموتا وقورا. وكان نور الدين محمود يملك هيبة عجيبة على موظفيه، ويلزمهم بوظائف الخدمة، ولم يجلس عنده أمير من غير أن يأمره بالجلوس باستثناء نجم الدين أيوب.. وكان مع هذه العظمة وهذا الناموس القائم، إذا دخل عليه الفقيه أو الصوفي أو الفقير يقوم له ويمشي بين يديه ويجلسه إلى جانبه، ويُقبل عليه بحديثه كأنه أقرب الناس إليه، وإذا أعطى أحدا منهم شيئا كثيرا يقول: هؤلاء جند الله وبدعائهم ننتصر على الأعداء، ولهم في بيت الله حق أضعاف ما أعطيهم، فإذا رضوا منا ببعض حقهم فلهم المنة علينا.

سادسا- محبة المسلمين له:

عندما تحدث ابن كثير في أحداث سنة 552هـ قال: وفيها مرض نور الدين، فمرض الشام بمرضه، ثم عوفي ففرح المسلمون بذلك فرحًا شديدًا. وقال في أحداث سنة ثمان وخمسين وخمسمائة: وفيها كبست الفرنج نور الدين وجيشه فانهزم المسلمون لا يلوي أحد على أحد، ونهض الملك نور الدين فركب فرسه والشَّبحة في رجله فنزل رجل كردي فقطعها حتى سار السلطان نور الدين فنجا، وأدركت الفرنج الكردي فقتلوه، وفيما ذكره ابن كثير يظهر الحب العميق الذي تكنه الأمة لنور الدين، وهذا الحب الرباني كان نابعًا من القلب وبإخلاص، لم يكن حب نفاق.

وما أبلغ تعبير ابن كثير: "مرض نور الدين فمرض الشام بمرضه"؛ فهل هناك تلاحم بين القيادة والقاعدة مثل هذا في ذلك الزمن؟ ومن أسباب ذلك الحب صفات نور الدين القيادية؛ فهو يسهر ليناموا، ويتعب ليستريحوا، وكان يفرح لفرح المسلمين، ويحزن لحزنهم، وكان عمله لوجه الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا، وصدق الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي عندما قال:

فإذا أحبّ اللهَ باطنُ عبدِهِ *** ظهرتْ عليه مواهبُ الفتاحِ

وإذا صفتْ لله نيةُ مصلحٍ *** مال العبادُ عليه بالأرواحِ

إن القيادة الصحيحة هي التي تستطيع أن تقود الأرواح قبل كلّ شيء، وتستطيع أن تتعامل مع النفوس قبل غيرها، وعلى قدر إحسان القيادة يكون إحسان الجنود، وعلى قدر البذل من القيادة يكون الحب من الجنود والأمة لها.

لقد وضع الله القبول لنور الدين بين أبناء أمته وأحبته الجماهير لجهاده وإخلاصه وتفانيه في خدمة الإسلام، وامتد هذا الحب لكي يتجاوز مدن دولته وحصونها وقراها إلى ما وراء الحدود وكسب جماهير خصومه من الداخل، وهز عروشهم، وقطع جذور مواقعهم من الأعماق وأزاحهم من طريق الوحدة التي اعتزم بناءها دونما قطرة من دم، فالدم المسلم كان عنده عظيما، وليست تجربته مع أهالي دمشق بالمثل الوحيد، فمُنذ عام 543هـ حينما تقدم على رأس قواته للمساعدة على فك حصار الحملة الصليبية الثانية عن دمشق: شاهد الدماشقة حرمته حتى تمنوه، وراحوا يدعون له دعاءً متواصلاً، وأخذ يخرج إليه خلال المراحل التالية من الحصار عدد كبير من الطلاب والفقراء والضعفاء ولهذا دلالته، فهم الذين كانوا في الواقع أصدقاءه الحقيقيين كما سيتبين لنا، فما خاب قصده كما يقول ابن القلانسي، أما فلاحو المنطقة فكانت قلوبهم معه؛ لأنه منع أصحابه من العبث بمزارعهم، وأعلن أنه جاء لكي يحمي كدحهم من تخريب الصليبيين، وفي عام 547هـ عندما تقدم إلى دمشق لضمها إلى جبهة القتال الجاد المخلص ضد الصليبيين، واستنجد حاكمها مجير الدين بالعسكر والأحداث، للخروج إلى قتاله. لم يخرج إلا القليل، لما وقر في نفوسهم من استنجاد مجير الدين بالفرنج.

وأقام نور الدين على دمشق من غير قتال ولا زحف خوفا على المسلمين. وقد عزَّز بذلك محبة الدمشقيين له فكانوا: يدعون ليلا نهارا أن يبدلهم الله سبحانه الملك نور الدين، وأخذ نور الدين يكاتب أهل دمشق ويستميلهم: وكان الناس يميلون إليه لما هو عليه من العدل والديانة والإحسان فوعدوه بالتسليم. وقد دخل نور الدين دمشق عام 549هـ في فتح أبيض لم تُرق فيه دماء وما ذلك إلا بتوفيق الله، ثم بمساعدة الجماهير التي كانت تنتظر دخوله منذُ سنوات وسنوات.

ويقال إن امرأة كانت على السور فدلّت حبلاً فصعدوا إليه، وصار على السور جماعة ونصبوا السلالم، وصعدت جماعة أخرى، ونصبوا علما، وصاحوا بشعار نور الدين.

وبعد أقل من ثلاث سنوات، حينما أعلن في دمشق عن التطوع في حملة لقتال العدو خرج كل قادر على حمل السلاح من أهل دمشق وتبع نور الدين في حملته تلك: فتيان البلد من الأحداث والغرباء والمتطوعة والفقهاء والصوفية والمتدينين العدد الكثير.

وهناك رواية لابن الأثير، تناقلها كثير من المؤرخين، تحمل دلالتها العميقة في هذا الموضوع:

"طلب نور الدين عام 559هـ نجدات من أمراء الأطراف لفتح حارم المعروفة بحصانتها الشديدة، فأما فخر الدين قرا أرسلان الأرتقي -حاكم حصن كيفا في ديار بكر- فبلغني عنه أنه قال له ندماؤه وخواصه: على أي شيء عزمت؟ فقال: على القعود، فإن نور الدين قد تحشّف من كثرة الصوم والصلاة، فهو يلقي بنفسه والناس معه في المهالك فكلهم وافقه على ذلك، فلما كان الغد أمر بالنداء في العسكر بالتجهز للغزاة، فقال له أولئك: فارقناك بالأمس على حال نرى الآن ضدها؟ فقال: إن نور الدين قد سلك معي طريقا إن لم أنجده خرج أهل بلادي على طاعتي، وأخرجوا البلاد من يدي؛ فإنه كاتب زهادها وعبّادها والمنقطعين عن الدنيا، يذكر لهم ما لقي المسلمون من الفرنج وما نالهم من القتل والأسر والنهب، ويستمد منهم الدعاء ويطلب منهم أن يحثوا المسلمين على الغزاة، فقد قعد كل واحد من أولئك ومعه أتباعه وأصحابه وهم يقرؤون كتب نور الدين ويبكون، ويلعنوني ويدعون عليّ، فلا بد من إجابة دعوته. ثم تجهز هو أيضا وسار إلى نور الدين بنفسه".

إن نور الدين يتعامل مع الجماهير وأعيانها ورموزها، وقد حقق نجاحات باهرة في كسب قلوبها وتأييدها ومحبتها، فكان يطلعها على تفاصيل ما يجري على الساحة، فإن تردد الحكام والأمراء، أو جبنوا، أو بخلوا فإن بمقدور القواعد، الأكثر ثقلاً وتأثيرًا يوم ذاك أن ترغمهم على الطاعة، وإلا عصفت بهم وأخرجت البلاد من أيديهم، وذلك هو الضمان الكبير في تجنيد القدرات الإسلامية كافة ودفعها إلى ساحات الجهاد.

وما من شك في أن انسجاما عميقا يتحقق بين القيادة والقواعد ومحبة واعية تسود العلاقة بين الرجل والجمهور، وتعاطفا مخلصا من أجل الأهداف الكبيرة.. وما من شك أن هذا وذاك من أسباب النجاح والتوفيق في إدارة دولته.

اللهم اجعل اولادنا على نهج هذا الرجل العظيم فانصح كل الامهات ان تتمعن في هذه القصة جيدا وتاخذ فنون هذا الرجل الفذ وتربي اولادها على ذلك والله حتى اقشعر بدني وانا اغوص في هذه الرحلة كنت متعايشة معها اللهم رد مجد الامة على ايدي اولادنا امين يا رب
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oumou4islam.yoo7.com
 
رحلة مع القائد نور الدين زنكي..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قلعة صلاح الدين الايوبي..لؤلؤة حجرية بالصور
» صلاح الدين الايوبي
» عز الدين القسام.. باعث فكر الثورة بفلسطين
» ترجمة الامام العلامة الشيخ تقي الدين الهلالي
» الرسالة النورانية الرابعة...الصلاة عماد الدين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: قسم***قصة أمة*** :: منتدى ** تاريخ وحضارة **-
انتقل الى: