البطالة.. الأسباب والآثار والعلاج

Admin عدد المساهمات : 669 تاريخ التسجيل : 21/01/2009

بسم الله الرحمن الرحيم

البطالة.. الأسباب والآثار والعلاج

البطالة.. الأسباب والآثار والعلاج 98255587

الشباب في كل مجتمع هو سر قوته وعماد نهضته، فإذا لم تستثمر مرحلة الشباب استثمارا

مفيدا ونافعا فإنها ستتحول إلى قوة مدمرة للمجتمع تأتي على الأخضر واليابس؛ ذلك أن الشاب العاطل قوة كامنة، فإذا لم توجد قنوات طبيعية وشرعية تستنفد هذه القوة فإنها ستبحث عن منافذ ومخارج أخرى، فضلا عن أن العاطل الذي لا يملك ما يبدأ به حياته ويؤمن مستقبله يتعرض لضغوط وتغيرات نفسية يكون لها تأثيرها المباشر على سلوكيتها وتصرفاته.

ومن أجل ذلك حرص الإسلام على تأمين حياة كريمة تضمن الاستقرار الاجتماعي والنفسي للشباب، وراعى ذلك حتى في تطبيق الحدود، ومن ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال لأحد ولاته على بعض الأقاليم: "ماذا تفعل إن جاءك سارق؟" قال: "أقطع يده". فقال عمر -رضي الله عنه-: "فإن جاءني منهم جائع أو عار فسوف يقطع عمر يدك، يا هذا إن الله استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم، فإذا أعطيناهم الأمور قاضيناهم شكرها".

ومن هذه الرواية تتضح فلسفة الإسلام التي تلزم أولي الأمر بتوفير حياة كريمة لا تنزل عن خطوط المتطلبات الضرورية التي تتمثل في سد الجوع وستر العورة، وتوفير حرفة أو مهنة تعينهم على توفير ذلك من طريق عزيز لا يعرض النفس لأي صورة من صور الإذلال والمهانة، ثم بعد ذلك يكون من حق الحاكم مقاضاة الرعية إن تجاوزوا.

أسباب البطالة

من الظلم قصر أسباب البطالة على فريق دون آخر؛ بل يشترك في هذه الأسباب الشباب أنفسهم كما تشترك في الدولة والحكومات الرسمية، وفيما يلي البيان..

من الأسباب العائدة للدولة:

1- سوء التخطيط وعدم التنسيق بين التخصصات الدراسية ومتطلبات سوق العمل؛ فأصبحنا نرى طوابير من حملة الشهادات العليا دون عمل.

2- عدم الاهتمام بالتعليم التطبيقي والحرفي، والاهتمام بالتعليم النظري.

3- انتشار بعض القيم والآداب غير الشرعية مثل الرشوة والمحسوبية والواسطة؛ وهو ما يحرم المجتهد من حقه في العمل وأخذ غيره له.

4- عدم الاستقرار السياسي الذي يؤدي إلى هروب المستثمرين وعدم تهيئة بيئة اقتصادية توجد فرص عمل للشباب.

5- بعض الدول تحرص على أن يبقى أبناؤها أسرى الجوع والحرمان حتى لا تمتد أمنية أحدهم أبعد من تحصيل قوت يومه؛ حرصا من هذه الحكومات على كراسيها وعدم تفرغ الشباب للمطالبة بحقوقهم السياسية مثل التعددية السياسية..

ومن الأسباب التي تعود للأفراد:

1- عدم مراعاة الشباب لمتطلبات سوق العمل في تخصصاتهم الدراسية، والتركيز على كليات القمة فقط.

2- ضيق أفق الشباب وحرصهم على العمل في تخصصهم الدراسي فقط، وإن انعدمت الفرصة يجلس يندب حظه.

3- عدم واقعية الشباب في طلبهم للعمل وحرصهم على تبوؤ أعلى المناصب في أسرع الأوقات أو الوصول إلى الوظيفة المريحة ذات الدخل العالي من البداية.

4- عدم حرص الشباب على اكتساب مهارات حرفية تساعدهم إذا ضاقت بهم سبل الوظيفة الرسمية.

آثار البطالة

مرحلة الشباب هي مرحلة القوة والعطاء، فلديهم طاقة كامنة إذا لم يوجد لها منافذ تستفيد منها وتستثمرها فإنها ستنفجر كالبخار إذا أحكمت عليه إغلاق القدر فإنه معرض للانفجار وتكسير القدر، أما إذا تم تنفيسه بطرق طبيعية فيمكن الاستفادة منه في تسيير القطارات؛ ولذلك فإن للبطالة آثارا مدمرة للمجتمع كله، وتتمثل هذه الآثار فيما يلي:

1- فقدان الشباب روح الانتماء والحب للوطن؛ فالشاب الذي لا يجد من وطنه الرعاية والاحتضان وتوفير حياة كريمة فإنه سيصاب بالإحباط واليأس والنقمة على المجتمع كله.

2- يكون الشباب عرضة للوقوع في المحرمات والشبهات مع توفر الوقت لديهم نتيجة الفراغ الوقتي والنفسي؛ فربما يلجأ بعضهم لقضاء وقته في تناول المخدرات وشرب الخمور هروبا من الواقع المرير، وربما يدفع ذلك البعض للحصول على المال من طرق غير مشروعة.

3- ربما يلجأ بعض العاطلين إلى السرقة والاحتيال والنصب للحصول على المال لسد احتياجاتهم الضرورية واحتياجات أولادهم إن لم يجدوا إعانة من المسئولين؛ وهو ما يؤدي إلى انتشار الجريمة والأمراض الاجتماعية المدمرة.

4- تكريس الطبقية واتساع الفجوة بين الأغنياء الذين يستغلون الحاجة لتكديس الأموال، والفقراء الذين يرضون بأدنى الأجور للحصول على لقمة العيش.

5- وأما أبرز الآثار السياسية فتتمثل في عزوف الشباب عن المشاركة السياسية والعمل الحزبي؛ وذلك إما بسبب فقد روح الانتماء للوطن وإما انشغالا بتحصيل لقمة العيش.

العلاج

كما أن أسباب البطالة تتوزع على عدة جهات كما ذكرنا فيما سبق؛ فإن سبل العلاج والتغلب عليها أيضا يتوزع على أطراف متعددة أيضا؛ بحيث تتكاتف الجهود لإيجاد علاج ناجع وفعال لهذه المشكلة، وهذه الأطراف المعنية بهذا الأمر هي:

أولا- الدعاة إلى الله:

على الدعاة دور مهم وحيوي تجاه مشكلة البطالة وآثارها المدمرة؛ فيجب عليهم وضعها في محور اهتماماتهم وخريطتهم الدعوية؛ فلا يصح أن يكون الناس في واد والدعاة في واد آخر. ويتمثل دورهم في:

1- توضيح منهج الإسلام في التعامل مع البطالة وتوضيح قيم الإسلامية السامية التي حرصت على توفير ضروريات الحياة الكريمة.

2- القيام بواجب النصح للحكومات والمسئولين بدورهم تجاه شبابهم وواجبهم في توفير عمل مناسب لهم.

3- نصح الشباب والأخذ بأيديهم لإيجاد بدائل حرفية يسدون بها حاجتهم.

4- العمل على تحصين الشباب وتنمية الإيمان بالله في قلوبهم حتى لا يلجئوا إلى المخدرات والطرق المنحرفة إذا ما ذاقت بهم سبل المعيشة.

5- استثمار الأمر في توضيح أثر الذنوب والمعاصي على الحرمان من الرزق؛ بحيث يغرسون في الشباب روح الثقة واللجوء لله تعالى كما فعل نوح عليه السلام مع قومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.

6- توضيح قيمة العمل في الإسلام وأن الإسلام احترم كل الأعمال وحث عليها.

7- على الجمعيات الدعوية تدريب الشباب العاطل على بعض المهن والحرف الصغيرة التي يستطيع من خلالها كفاية نفسه.

8- محاربة السلوكيات الخاطئة التي تكرس الثروة في يد البعض دون الآخر مثل الاحتكار والرشوة والمحسوبية...

ثانيا- الحكومات:

على الحكومات دور كبير في توفير حياة كريمة وآمنة للرعية؛ فهم رعاة وهم مسئولون أمام الله تعالى عن رعيتهم، كما وضح -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته...".

وتتمثل أبرز أدوار الحكومات فيما يلي:

1- وضع إستراتيجية لضبط التخصصات والمقررات الدراسية حسب احتياجات سوق العمل، والاهتمام بالجنب التطبيقي في العملية التعليمية.

2- الاهتمام بالتعليم الفني والحرفي، بما يكسب الشباب حرفة أو مهنة للعمل بعد التخرج.

3- إعمال القانون في محاربة الاحتكار وتكديس الأموال في يد فئة قليلة من الشعب، والعدالة في توزيع موارد الإنتاج حسب طاقات الأفراد.

4- خلق مناخ سياسي صحي وحيوي للمساعدة على الاستثمار والإنتاج وهو ما يوفر فرص عمل كثيرة ومتنوعة.

5- على حكومات الدول التعاون فيما بينها ليسد بعضها حاجة الآخر؛ فمثلا إذا اجتمع المال الخليجي مع العمالة المصرية في الأرض السودانية لخرج خير وفير يكفي الوطن العربي كله.

ثالثا- دور الأفراد:

في ظل ما يعيشه وطننا من ظروف سيئة ومناخ سياسي واقتصادي موبوء وعدم اضطلاع أولي الأمر بالقيام بواجبهم تجاه رعيتهم فإن على الشباب أن يدركوا أن عليهم الدور الأكبر في حل مشاكلهم بأنفسهم خاصة مشكلة البطالة، ولذلك أنصحهم بما يلي:

1- "السماء لا تمطر ذهبا": فخذ بالأسباب وتوكل على رب الأسباب؛ فاحرص على احتراف عمل أو مهنة ليتيسر لك سبل الحصول على عمل مناسب، واعلم أن الله يحب المحترف الأمين.

2- "لتكن لك في النملة عبرة": فالنملة إذا اعترضتَ طريقها بإصبعك فإنها تنحرف يَمنة أو يسرة لتفادي التصادم بيدك؛ فكن مرنا كالنملة ولا تصطدم بالواقع وتقف عاجزا.

3- "من داوم الطرق أوشك أن يفتح له": فلا تيأس إذا أغلقت في وجهك الأبواب مرة أو مرتين بل حاول مرات ومرات.

4- "تعلَّم ما تحب واعمل ما تجيد": فلا تحصر عملك في شهادتك وتخصصك العلمي؛ فلا مانع أن تجرب في عمل آخر مناسب لك.

5- "الاحتطاب خير لك من أن تسأل الناس": فلا تتكبر على أي عمل مهما كان منضبطا بضوابط الشرع. ولا تنتظر أن تقفز إلى أعلى الدرجات من أول مرة؛ فنبيك عليه السلام كان يرعى الأغنام لقومه.

6- "تسعة أعشار الرزق في التجارة": فالتجارة في أي شيء مباح ميسرة وممكنة للكثيرين حتى ولو بدأ برأس مال صغير فسيبارك الله له فيه.

وفي النهاية فهذه رؤية لحل مشكلة انتشرت واستفحلت وامتدت مخالبها في مفاصل أمتنا فأصابتها في مقاتل متعددة في جسدها فأخرتها عن ركب الحضارة بعد أن كانت قائدة الأمم وتاجا متألقا في مفرقها.
___________________________

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي الكويتية بتصرف.

» العناد عند الأطفال .. الأسباب والعلاج
» للحد من التسرب المدرسي والقضاء على البطالة
» صور من فقه الأسباب
» لا تستعجل .. وابحث عن الأسباب ..
» الأسباب العشرة الموجبه لمحبة الله